مكافحة المعلومات الصحية المضللة: كيف نحمي أنفسنا ومجتمعنا في عصر المعلومات؟

يتناول المقال ظاهرة انتشار المعلومات الصحية المضللة وخطورتها على صحة الأفراد والمجتمع، ويقدم إرشادات عملية حول كيفية التحقق من مصداقية المعلومات الصحية، وتنمية مهارات التفكير النقدي، والاعتماد على المصادر الموثوقة.

مكافحة المعلومات الصحية المضللة: كيف نحمي أنفسنا ومجتمعنا في عصر المعلومات؟
شخص ينظر بتركيز وتفكير نقدي إلى شاشة هاتفه الذكي التي تعرض معلومات أو أخباراً صحية.

مقدمة: وباء المعلومات المضللة في المجال الصحي

في عصر يتسم بالتدفق الهائل للمعلومات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبح من السهل جداً انتشار المعلومات الصحية المغلوطة والمضللة والشائعات كالنار في الهشيم. هذه "المعلومات الوبائية" (Infodemic)، كما وصفتها منظمة الصحة العالمية، تشكل تهديداً خطيراً للصحة العامة، حيث يمكن أن تدفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات صحية خاطئة، وتأخير طلب الرعاية الطبية المناسبة، وتبني علاجات غير فعالة أو حتى ضارة، وزعزعة الثقة في المؤسسات الصحية والعلماء والأطباء، وإعاقة جهود مكافحة الأوبئة (كما رأينا بوضوح خلال جائحة كوفيد-19 مع انتشار الشائعات حول اللقاحات). إن القدرة على تمييز المعلومات الصحية الدقيقة والموثوقة من المعلومات المضللة لم تعد مجرد مهارة مفيدة، بل أصبحت ضرورة حتمية لحماية صحتنا وصحة مجتمعاتنا في هذا العصر الرقمي.

أنواع المعلومات الصحية المضللة ومصادرها:

تتخذ المعلومات الصحية المضللة أشكالاً متنوعة، ويمكن تصنيفها بشكل عام إلى نوعين رئيسيين: المعلومات المضللة (Misinformation) والمعلومات المنهجية المضللة (Disinformation). المعلومات المضللة هي معلومات خاطئة يتم نشرها دون نية متعمدة للخداع، وغالباً ما تنشأ عن سوء فهم أو تفسير خاطئ للحقائق العلمية. أما المعلومات المنهجية المضللة فهي معلومات خاطئة يتم إنشاؤها ونشرها عمداً بهدف الخداع أو التلاعب أو تحقيق مكاسب سياسية أو مالية أو أيديولوجية. تنتشر هذه المعلومات عبر قنوات متعددة، أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، واتساب، يوتيوب، تيك توك) حيث يمكن لأي شخص نشر أي محتوى دون تدقيق يذكر، مما يسهل انتشارها بسرعة فائقة. كما يمكن أن تأتي من مواقع إلكترونية غير موثوقة، منتديات النقاش، رسائل البريد الإلكتروني المتسلسلة، وحتى من بعض وسائل الإعلام التقليدية التي قد لا تتحقق من دقة معلوماتها بشكل كافٍ. قد تأتي أيضاً من أفراد (أحياناً بحسن نية) يشاركون معلومات سمعوها من الأصدقاء أو العائلة دون التحقق منها، أو حتى من شخصيات مؤثرة أو مشاهير قد يروجون لعلاجات أو منتجات صحية غير مثبتة علمياً.

لماذا نصدق المعلومات المضللة وما هي خطورتها؟

هناك عدة عوامل نفسية واجتماعية تجعل الناس أكثر عرضة لتصديق المعلومات الصحية المضللة. يلعب الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias) دوراً كبيراً، حيث نميل إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتنا الموجودة مسبقاً وتصديقها، وتجاهل المعلومات التي تتعارض معها. كما أن المعلومات التي تثير مشاعر قوية (مثل الخوف أو الغضب أو الأمل) أو التي تبدو بسيطة وتقدم حلولاً سهلة لمشاكل معقدة، غالباً ما تكون أكثر جاذبية وقابلية للتصديق والانتشار. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكرار التعرض للمعلومة الخاطئة يمكن أن يزيد من شعورنا بأنها صحيحة (تأثير الحقيقة الوهمية). تكمن خطورة تصديق هذه المعلومات في أنها يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة على الصحة. قد يتوقف المرضى عن تناول أدويتهم الموصوفة لصالح علاجات بديلة غير فعالة، أو قد يرفضون تلقي لقاحات حيوية بناءً على شائعات لا أساس لها من الصحة، مما يعرضهم ويعرض المجتمع لخطر الأمراض المعدية. قد يلجأ البعض إلى علاجات خطيرة أو سامة بناءً على نصائح مضللة. كما أن انتشار المعلومات المضللة يمكن أن يؤدي إلى حالة من الارتباك والقلق العام، ويقوض الجهود المبذولة لتعزيز السلوكيات الصحية الوقائية، ويزيد من الوصمة المرتبطة ببعض الأمراض أو الحالات الصحية.

كيف نتحقق من مصداقية المعلومات الصحية ونحمي أنفسنا؟

لحماية أنفسنا ومجتمعنا من مخاطر المعلومات الصحية المضللة، يجب علينا تطوير مهارات التفكير النقدي وتوخي الحذر عند التعامل مع أي معلومة صحية، خاصة تلك التي نجدها على الإنترنت أو وسائل التواصل الاجتماعي. إليك بعض الخطوات العملية للتحقق من مصداقية المعلومات:
  • تحقق من المصدر: من أين أتت المعلومة؟ هل هو موقع رسمي لهيئة صحية حكومية (مثل وزارة الصحة أو منظمة الصحة العالمية)؟ هل هو موقع لمؤسسة طبية أو بحثية مرموقة؟ هل هو موقع إخباري ذو سمعة جيدة ويستشهد بمصادر علمية؟ كن حذراً من المواقع المجهولة أو التي تروج لمنتجات معينة.
  • تحقق من الكاتب أو المؤلف: هل للكاتب خبرة أو مؤهلات علمية في المجال الذي يتحدث عنه؟ هل يمكن التحقق من هويته ومصداقيته؟
  • ابحث عن الأدلة العلمية: هل تستند المعلومة إلى دراسات علمية منشورة في مجلات علمية محكمة؟ هل هناك إجماع علمي حول هذه المعلومة؟ كن متشككاً من الادعاءات التي تعتمد على شهادات فردية (قصص شخصية) أو التي تبدو "أفضل من أن تكون حقيقية".
  • تحقق من تاريخ النشر: هل المعلومة حديثة؟ المعلومات الطبية تتطور باستمرار، والمعلومات القديمة قد لا تكون دقيقة أو محدثة.
  • ابحث عن التوازن والموضوعية: هل يقدم المصدر وجهات نظر متعددة أم أنه متحيز بشكل واضح؟ هل يستخدم لغة عاطفية أو مثيرة للجدل؟
  • قارن المعلومات مع مصادر أخرى موثوقة: لا تعتمد على مصدر واحد فقط. ابحث عن نفس المعلومة في عدة مصادر موثوقة لترى ما إذا كانت متوافقة.
  • استشر طبيبك أو متخصص رعاية صحية موثوق: إذا كانت لديك أي شكوك أو أسئلة حول معلومة صحية، فإن طبيبك هو أفضل مصدر للحصول على مشورة شخصية وموثوقة.
  • فكر قبل أن تشارك: قبل مشاركة أي معلومة صحية مع الآخرين، تأكد من مصداقيتها أولاً. لا تساهم في نشر الشائعات والمعلومات المضللة.
إن تنمية الوعي الصحي والقدرة على التفكير النقدي هما خط الدفاع الأول ضد وباء المعلومات المضللة.

خاتمة:

في بحر المعلومات المتلاطم، يعد التفكير النقدي والتحقق من المصادر أدواتنا الأساسية للإبحار بأمان. فلنكن جميعاً مسؤولين في استهلاك ونشر المعلومات الصحية لنحمي أنفسنا ومجتمعنا.
كتب هذا المقال فريق موقع طبيبك دوت كوم بالتعاون مع الدكتور علي منصور خبير سياسات الصحة العامة.