تقدم في فهم مرض التوحد: دراسة تكشف عن اختلافات في تطور الدماغ في مرحلة الطفولة المبكرة

قدمت دراسة حديثة باستخدام تقنيات تصوير الدماغ المتقدمة رؤى جديدة حول كيفية تطور أدمغة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD) بشكل مختلف عن أقرانهم خلال السنوات الأولى الحاسمة من العمر، مما قد يساعد في فهم أعمق لأسباب الاضطراب وتطوير طرق تشخيص وعلاج مبكرة.

تقدم في فهم مرض التوحد: دراسة تكشف عن اختلافات في تطور الدماغ في مرحلة الطفولة المبكرة
صورة تظهر مسحاً بالرنين المغناطيسي لدماغ طفل، أو رسم توضيحي لتطور الدماغ والمناطق المرتبطة بالتوحد.

مقدمة: فك ألغاز اضطراب طيف التوحد

يُعد اضطراب طيف التوحد (ASD) حالة نمائية عصبية معقدة تؤثر على التواصل والتفاعل الاجتماعي والسلوك. وعلى الرغم من زيادة الوعي والفهم للتوحد في السنوات الأخيرة، لا تزال أسبابه الدقيقة والآليات العصبية الكامنة وراءه غير مفهومة بالكامل. يسعى الباحثون باستمرار لكشف المزيد عن كيفية تطور الدماغ لدى الأفراد المصابين بالتوحد، بهدف تحسين التشخيص المبكر وتطوير تدخلات علاجية أكثر فعالية. وفي هذا الإطار، جاءت دراسة جديدة لتسلط الضوء على اختلافات محددة في مسارات تطور الدماغ خلال فترة الطفولة المبكرة، وهي فترة حاسمة للنمو العصبي.

منهجية الدراسة وتقنيات التصوير المستخدمة:

اعتمدت الدراسة، التي أجريت في مركز أبحاث رائد، على متابعة مجموعة من الأطفال الرضع الذين لديهم خطر وراثي مرتفع للإصابة بالتوحد (لوجود أخ أكبر مصاب بالاضطراب) ومجموعة أخرى من الأطفال ذوي الخطورة المنخفضة، منذ الولادة وحتى سن الثانية أو الثالثة. استخدم الباحثون تقنيات تصوير الدماغ غير الجراحية والمتقدمة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) وتحليل انتشار المادة البيضاء (DTI)، لإجراء مسح دوري لأدمغة هؤلاء الأطفال وتتبع التغيرات في حجم مناطق الدماغ المختلفة، وكذلك تطور المادة البيضاء (الألياف العصبية التي تربط مناطق الدماغ المختلفة). تم أيضاً تقييم سلوكيات الأطفال وتطورهم الاجتماعي والتواصلي بشكل منتظم باستخدام مقاييس معيارية.

النتائج الرئيسية: اختلافات في مسارات النمو الدماغي

كشفت نتائج تحليل صور الدماغ عن وجود اختلافات واضحة في مسارات النمو بين الأطفال الذين تم تشخيصهم لاحقاً بالتوحد وأقرانهم الذين لم يتم تشخيصهم. لاحظ الباحثون أن الأطفال المصابين بالتوحد أظهروا نمواً مفرطاً في حجم الدماغ الكلي خلال السنة الأولى من العمر، وخاصة في حجم القشرة الدماغية السطحية. تبع هذا النمو المفرط تباطؤ في معدل النمو خلال السنة الثانية. بالإضافة إلى ذلك، أظهر تحليل المادة البيضاء اختلافات في تطور بعض المسارات العصبية الهامة، خاصة تلك التي تربط بين المناطق المسؤولة عن اللغة والتفاعل الاجتماعي والمعالجة الحسية. تشير هذه النتائج إلى أن الاختلافات في تطور الدماغ المرتبطة بالتوحد تبدأ في وقت مبكر جداً من الحياة، ربما حتى قبل ظهور الأعراض السلوكية الواضحة للاضطراب.

الأهمية والتطبيقات المحتملة:

تعتبر هذه النتائج خطوة مهمة نحو فهم أفضل للأسس البيولوجية العصبية لاضطراب طيف التوحد. إن تحديد هذه الاختلافات المبكرة في تطور الدماغ يفتح الباب أمام إمكانية تطوير مؤشرات حيوية (Biomarkers) يمكن استخدامها للمساعدة في التشخيص المبكر للتوحد، حتى قبل أن تصبح الأعراض السلوكية واضحة تماماً، مما قد يسمح ببدء التدخلات العلاجية في وقت مبكر جداً، وهو أمر يعتقد أنه يحسن النتائج على المدى الطويل. كما أن فهم المسارات العصبية المحددة التي تتأثر في التوحد يمكن أن يوجه تطوير علاجات جديدة تستهدف هذه المسارات بشكل مباشر. ومع ذلك، يؤكد الباحثون على أن هذه النتائج لا تزال بحاجة إلى مزيد من التأكيد في دراسات أكبر وأكثر تنوعاً، وأن تصوير الدماغ وحده لا يكفي لتشخيص التوحد، بل يجب أن يتم استخدامه كأداة مساعدة ضمن تقييم شامل يشمل الجوانب السلوكية والنمائية.

خاتمة:

يمثل هذا البحث تقدماً هاماً في فهمنا للأسس العصبية للتوحد، ويقدم أملاً في تحسين قدرتنا على التشخيص المبكر وتطوير تدخلات فعالة لمساعدة الأطفال المصابين بهذا الاضطراب وعائلاتهم على تحقيق أفضل إمكاناتهم.
كتب هذا المقال فريق موقع طبيبك دوت كوم بالتعاون مع الدكتورة إيمان صبري استشارية الطب النفسي للأطفال والمراهقين.